للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو بكر الجصاص: "فإنْ قيل: فما فائدة شرط الله الإحصان في قوله: (فَإِذَا أُحْصِنَّ) وهي محدودة في حال الإحصان وعدمه؟ قيل له: لما كانت الحرَّة لا يجب عليها الرجم إلا أنْ تكون مسلمة متزوجة أخبر الله تعالى أنهن وإنْ أُحْصِنَّ بالإسلام وبالتزويج فليس عليهنَّ أكثر من نصف حدِّ الحرَّة، ولولا ذلك لكان يجوز أنْ يتوهم افتراق حالها في حكم وجود الإحصان وعدمه، فإذا كانت محصنة يكون عليها الرجم، وإذا كانت غير محصنة فنصف الحَدّ، فأزال الله تعالى تَوَهُّمَ من يَظنُّ ذلك، وأخبر أنَّه ليس عليها إلا نصف الحَدّ في جميع الأحوال، فهذه فائدة شرط الإحصان عند ذكر حدِّها". اهـ (١)

وقال الشنقيطي: "والحكمة في التعبير بخصوص المحصنة دفع تَوَهُّم أنها تُرجم كالحرة ... ، والظاهر أنَّ السَّائل ما سَأَلَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إلا لأنَّه أشكل عليه مفهوم هذه الآية، فالحديث نصٌ في محل النزاع، ولو كان جلدُ غيرِ المحصنة أكثر أو أقل من جلد المحصنة لَبَيَّنَه صلى الله عليه وسلم". اهـ (٢)

إلا أنَّ الحافظ ابن كثير لم يرتضِ هذا الجواب؛ حيث يرى أنَّ تنصيف الحَدّ إنما استفدناه من الآية لا من سِواها، فكيف يُفهم منها التنصيف فيما عداها. (٣)

واختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن مفهوم الحديث على أقوال:

الأول: أنَّ نفيَ الإحصان في الحديث إنما هو من قول السَّائل، ولم يُصَرِّح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأخذه قيداً في الجلد، فيحْتَمل أنْ يكون النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أعرض عنه وأفتى بالجلد مطلقاً.

وهذا رأي أبي العباس القرطبي. (٤)

وأيَّدَ رأيَه هذا بأنَّ بَقيَّة الأحاديث - الواردة في جلد الأَمَة إذا زَنَت -


= (٥/ ١٧)، وأضواء البيان، للشنقيطي (١/ ١٣٩).
(١) أحكام القرآن، للجصاص (٢/ ٢١٢).
(٢) أضواء البيان، للشنقيطي (١/ ٣٢٨).
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (١/ ٤٨٩).
(٤) انظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٥/ ١٢٣).

<<  <   >  >>