والرّسول صلى الله عليه وسلم يذكر المسلمون أحواله ومحاسنه وفضائله وما منّ الله به عليه [ومنّ] به على أُمّته؛ فبذلك يزداد حبّهم له وتعظيمهم له، لا بنفس رؤية القبر؛ ولهذا تجد العاكفين على قبور الأنبياء والصّالحين من أبعد النّاس عن سيرتهم ومتابعتهم؛ وإنّما قصد جمهورهم التّأكل والتّرأس بهم؛ فيذكرون فضائلهم ليحصل لهم بذلك رياسة ومأكلة، لا ليزدادوا لهم حبًّا وخيرًا.
وفي «مسند الإمام أحمد» و «صحيح ابن حبّان» ، عن ابن مسعود، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ من شرار النّاس مَن تدركهم السّاعة وهم أحياء، والذين يتّخذون القبور مساجد» .
وما ذكره هذا من فضائله فبعضّ ما يستحقّه صلى الله عليه وسلم، والأمر فوق ما ذكره أضعافًا مضاعفة، لكن هذا يوجب إيماننا به، وطاعتنا له، واتّباع سُنّته، والتّأسي به، والاقتداء به، ومحبّتنا له، وتعظيمنا له، موالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه؛ فإنّ هذا هو طريق النّجاة والسّعادة، وهو سبيل الحقّ ووسيلتهم إلى الله ـ تعالى ـ، ليس في هذا ما يوجب معصيته ومخالفة أمره والشّرك بالله واتّباع غير سبيل المؤمنين السّابقين الأوّلين والتّابعين لهم بإحسان، وهو صلى الله عليه وسلم قد قال:«لا تُشدّ الرّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد» ، وقال: لعن الله اليهود والنّصارى؛ اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ؛ يحذّر ما فعلوا، وقال:«لا تتّخذوا قبري عيدًا، وصلّوا [عليّ] ؛ فإنّ صلاتكم تبلغني» ، وقال:«خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة» ، وقال: «إنّه مَن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسُنّتي وسُنّة