الخلفاء الرّاشدين من بعد؛ تمسّكوا بها وعَضّوا عليها بالنّواجذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور؛ فإنّ كلّ بدعة ضلالة» ، إلى غير ذلك من الأدِلّة التي تبيّن أنّ الحجّاج إلى القبور هم من المخالفين للرّسول صلى الله عليه وسلم، الخارجين عن شريعته وسُنّته، لا من الموافقين له المطيعين ـ كما قد بُسِطَ في غير هذا الموضع ـ» .
انتهى ما أردنا نقله من كلام شيخ الإسلام، وقد نقلناه بطوله؛ لتعلم منه دحض ما أورده السّبكيّ في هذا الباب من الشُّبهات والمشاغبات التي نقلها عن القاضي المالكيّ المتقدّم ذكره، وقد رَدّ عليه شيخ الإسلام بكتاب ضخم، نقلنا منه هذا الأنموذج. والله الموفّق.
ثم إنّ السّبكيّ أخذ يذكر المذاهب في جواز شدّ الرّحل إلى غير المساجد الثّلاثة وعدمه، وهذا لا حاجة بنا إليه في هذا الموضع؛ لأنّ المقصود شدّ الرّحل إلى زيارة قبر من القبور جائز أم لا؟ وقد علمتَ أنّ مَن قال بجوازه لم يأتِ بحُجّة لا صحيحة ولا ضعيفة، ومَن قال بعدم جوازه فحُجّته ظاهرة من حديث:«لا تُشَدّ الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد» ، وأمّا تغليطه للإمام النّوويّ في نقله في هذه المسألة التي نحن بصددها في «شرحه لصحيح مسلم» ، وذكره التّحريم عن أبي محمد وغيره؛ أقول: إنّ السّبكيّ قد اتّبع هواه في تغليط هذا الإمام الجليل نصرة لرأيه، وقد علمتَ مما مرّ أنّ الإمام النّوويّ لم ينفرد بنقل الخلاف في هذه المسألة؛ بل سبقه إلى ذلك الإمام ابن عقيل ـ من الحنابلة ـ، وأبو عبد الله بن بطّة ـ من الحنابلة أيضًا ـ، والقاضي عياض ـ من المالكيّة ـ، والقاضي حسين ـ من الشّافعيّة ـ؛ فأيّ لوم يلحق الإمام النّوويّ على نقله