للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يريد، أو نفى عموم قدرته وتعلّقها بأفعال عباده من طاعتهم ومعاصيهم؛ فأخرجها عن قدرته ومشيئته وخلقه، وجعلهم يخلقون لأنفسهم ما يشاؤون بدون مشيئة الرّبّ ـ تبارك وتعالى ـ؛ فيكون في ملكه ما لا يشاء، ويشاء ما لا يكون! تعالى الله ـ عزّ وجَلّ ـ عن قول أشباه المجوس علوًّا كبيرًا.

وكذلك ما قدره حقّ قدره مَن قال: إنّه يعاقب عبده على ما [لا] يفعله العبد ولا له عليه قدرة ولا تأثير له فيها البتة؛ بل هو نفس فعل الرّبّ ـ جلّ جلاله ـ؛ فيعاقب عبده على فعله [هو] ، وهو ـ سبحانه وتعالى ـ الذي جبر العبد عليه، وجبرُه على الفعل أعظم من إكراه المخلوقِ المخلوقَ! فإذا كان من المستقرّ في الفطر اولعقول أنّ السّيّد لو أكره عبده على فعل وألجأه إليه ثم عاقبه عليه؛ لكان قبيحًا؛ فأعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأرحم الرّاحمين؛ كيف يجبر العبد على فعل لا يكون للعبد فيه صنع ولا تأثير، ولا هو واقع بإرادته، بل ولا هو فعله البتة، ثمّ يعاقب عليه عقوبة الأبد؟! تعالى الله ـ عزّ وجَلّ ـ علوًّا كبيرًا.

وقول هؤلاء شرّ من أقوال المجوس، والطّائفتان ما قدروا الله حقّ قدره.

وكذلك ما قدره [حقّ قدره] مَن لم يصنه عن بئر ولا حُشّ ولا مكان يُرغب عن ذكره؛ بل جعله في كلّ مكان، وصانه عن عرشه أن يكون مستويًا عليه، يصعد إليه الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه، وتعرج الملائكة والرّوح إليه، وتنزل من عنده، ويدبّر الأمر من السّماء إلى الأرض ثم يعرج إليه؛ فصانه عن استوائه على سرير المُلك، ثم جعله في كلّ مكان يأنف الإنسان بل غيره من الحيوان أن يكون فيه!

وما قدره حقّ قدره مَن نفى حقيقة محبّته ورحمته ورأفته ورضاه وغضبه ومقته، ولا مَن نفى حقيقة حكمته التي هي الغايات المحمودة المقصودة بفعله، ولا مَن نفى حقيقة فعله

<<  <   >  >>