للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حقّ قدره مَن شارك بينه وبين عدوّه في محض حقّه من الإجلال والتّعظيم والطّاعة والذّلّ والخضوع والخوف والرّجاء؟! فلو جعل من أقرب الخلق إليه شريكًا في ذلك؛ لكان ذلك جرأة وتوثّبًا على محضّ حقّه، واستهانة به، وتشريكًا بينه وبين غيره فيما لا ينبغي ولا يصلح إلَّا له ـ سبحانه وتعالى ـ؛ فكيف وإنّما شرك بينه وبين أبغض الخلق إليه وأهونهم عليه وأمقتهم عنده؛ وهو عَدوّ على الحقيقة؛ فإنّه ما عُبد من دون الله إلَّا الشّيطان؛ كما قال ـ تعالى ـ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألَّا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين * وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} ، ولما عبد المشركون الملائكة ـ بزعمهم ـ؛ وقعت عبادتهم في نفس الأمر للشّيطان، وهم يظنون أنّهم يعبدون الملائكة؛ كما قال ـ تعالى ـ: {ويوم نحشرهم جميعًا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إيّاكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت وليّنا من دونهم بل كانوا يعبدون الجنّ أكثرهم بهم مؤمنون} ؛ فالشّيطان يدعو المشرك إلى عبادته ويوهمه أنّه ملك، وكذلك عبّاد الشّمس والقمر والكواكب يزعمون أنّهم يعبدون روحانيّات هذه الكواكب، وهي التي تخاطبهم وتقضي لهم الحوائج! ولهذا إذا طلعت الشّمس قارنها الشّيطان ـ لعنه الله تعالى ـ؛ فيسجد لها الكفّار؛ فيقع سجودهم له، وكذلك عند غروبها، وكذلك مَن عبد المسيح وأُمّه لم يعبدهما؛ وإنّما عبد الشّيطان؛ فإنّه يزعم أنّه يعبد من أمره بعبادته وعبادة أُمّه ورضيها لهم وأمرهم بها؛ وهذا هو الشّيطان الرّجيم ـ لعنه الله تعالى ـ، لا عبد الله ورسوله.

ونُزّل هذا كلّه على قوله ـ تعالى ـ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوّ مبين} ؛ فما عبد أحد من

<<  <   >  >>