للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك لم يقدره حقّ قدره مَن قال: إنّه يجوز أن يعذّب أولياءه، ومَن لم يعصه طرفة عين، ويدخلهم دار الجحيم، وينعّم أعداءه، ومَن لم يؤمن به طرفة عين، ويدخلهم دار النّعيم! وأنّ كلا الأمرين بالنسبة إليه سواء؛ وإنّما الخبر المحض جاء عنه بخلاف ذلك؛ فمعناه: الخبر، لا مخالفة حكمته وعدله. وقد أنكر ـ سبحانه وتعالى ـ في كتابه على مَن يجوّز عليه ذلك غاية الإنكار، وجعل الحكم به من أسوإ الأحكام.

وكذلك لم يقدره حقّ قدره مَن زعم: أنّه لا يحيي الموتى، ولا يبعث مَن في القبور، ولا يجمع خلقه ليوم يُجازى [فيه] المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ويأخذ للمظلوم فيه حقّه من ظالمه، ويُكرم المتحمّلين المشاقّ في هذه الدّار من أجله وفي مرضاته بأفضل كرامته، ويُبيّن لخلقه الذين يختلفون فيه، وليعلم الذين كافروا أنّهم كانوا كافرين.

وكذلك لم يقدره حقّ قدره مَن هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقّه فضيّعه، وذكره فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعته المخلوقَ أهمّ عنده من طاعته؛ فلله الفضلة من قلبه وقوله وعمله، وسواه المقدّم في ذلك؛ لأنّه المهمّ عنده! يستخفّ بنظر الله إليه واطّلاعه عليه وهو في قبضته وناصيته بيده، ويعظّم نظر المخلوق إليه واطّلاعهم عليه بكلّ قلبه وجوارحه، يستحيي من النّاس ولا يستحيي من الله ـ عزّ وجلّ ـ، ويخشى النّاس ولا يخشى الله ـ عزّ وجلّ ـ، ويعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله ـ عزّ وجلّ ـ عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام في خدمة إلهه من البشر قام بالجدّ والاجتهاد وبذل النّصيحة، قد فرّغ له قلبه وجوارحه وقدّمه على كثير من مصالحه، حتى إذا قام في حقّ ربّه ـ إن ساعده القدر ـ قام قيامًا لا يرضاه مقله لمخلوق من مخلوقاته، وبدا له ما يستحيي أن يواجه به مخلوقًا مثله!!!

فهل قدر الله حقّ قدره مَن هذا وصفه؟! وهل قدره

<<  <   >  >>