مسلم؛ فاللائق بمنصبه الشّريف أن يطلب منه ما يستطيعه ويقدر عليه ـ كالدُّعاء وسائر الأسباب العاديّة ونحو ذلك ـ، وأمّا ما لا يقدر عليه إلَّا الله ـ كهداية القلوب، والمغفرة للذّنوب، والإنقاذ من النّار، ونحو ذلك من المطالب التي لا يقدر عليها إلَّا الله الواحد القهّار ـ؛ فهذا إنّما يليق بمقام الرّبوبيّة؛ قال ـ تعالى ـ:{إنّك لا تهدي مَن أحببتَ ولكنّ الله يهدي مَن يشاء} ، وقال:{ومَن يغفر الذّنوب إلَّا الله} ، وقال ـ تعالى ـ:{أفأنتَ تنقذ مَن في النّار} ، وقال ـ تعالى ـ:{ليس لكَ من الأمر شيء} ، وقال رجل: أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمّد؛ فقال صلى الله عليه وسلم:«عرف الحقّ لأهله» .
وأمّا قول العراقيّ:«وقد ذكر المجوّزون أنّ جعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم متسبّبًا لا مانع من ذلك شرعًا وعقلًا» ؛ فهذه العبارة ركيكة التّركيب! والمجوّزون للاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلَّا الله هم خصومنا؛ فلا حُجّة في كلامهم؛ بل الشّرع والعقل يرد مذهبهم ويبطله ـ كما مرّ تقريره عن شمس الدّين ابن القيّم ـ، وأمّا الأسباب العاديّة؛ فإنّها قد تُستحبّ وقد تُباح وقد تُكره، وليس الكلام فيها.
والمستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلَّا الله لا ينجيه مجرّد اعتقاده أنّ ذلك بإذن الله؛ بل لا بُدّ من إخلاص الدُّعاء والاستغاثة، ودعاء المستغيث من أجلّ العبادات؛ فجيب إخلاصه لله.
وقول العراقيّ:«ومَن أقرّ بالكرامة وأنّها بإذن الله؛ لم يجد بدًّا من اعترافه بجواز ذلك» ؛ يُقال له: بل البُدّ والسّعة واليسر في القول بأنّه: لا يُستغاث بالمخلوق فيما يختصّ بالخالق، ولو كان المخلوق قد ثبت له من الكرامة ما ثبت؛ فالكرامة فعل الله لا من فعل غيره، والمستغاث هو الله لا غيره، ولم يكن الصّحابة يستغيثون