للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام الألوسي: «وجاء بالواو العاطفة في {الفاتحين وَقَالَ الملا} هنا ولم يجأ بها بل جاء بالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً في موضع آخر لأن ما نحن فيه حكاية لتفاوت ما بين المقالتين أعني مقالة المرسل ومقالة المرسل إليهم لا حكاية المقاولة لأن المرسل إليهم قالوا ما قالوا بعضهم لبعض وظاهر إباء ذلك الاستئناف وأما هنالك فيحق الاستئناف لأنه في حكاية المقاولة بين المرسل والمرسل إليهم واستدعاء مقام المخاطبة ذلك بين كذا في «الكشف»، ولا يحسم مادة السؤال إذ يقال معه: لم حكى هنالك المقاولة وهنا التفاوت بين المقالتين ولم يعكس؟ ومثل هذا يرد على من علل الذكر هنا والترك هناك بالتفنن بأن يقال: إنه لو عكس بأن ترك هنا وذكر هناك لحصل التفنن أيضاً، وأنا لم يظهر لي السر في ذلك» (١).

بعرض رأي الإمامين يتضح أن الإمام الرازي اختلف مع الإمام الألوسي في التوجيه، وقد ذكر الإمام الألوسي توجيهًا نسبه لصاحب (الكشف) وقال إنه لم يحسم مادة السؤال لذا حمل المتشابه على التفنن، وقال أنه لم يظهر له السر.

وقد قام العلامة ابن عاشور بذكر توجيه قوي لهذه المسألة، زعم فيه أنه قد أجاب جوابًا شافيًا على السؤال الذي أورده صاحب الكشاف ولم يكون في جوابه شافيًا وتحيّر شراحه فكانوا على خلاف، حيث قال: «{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (٢).

عُطفت حكاية قول قومه على حكاية قوله ولم يؤت بها مفصولة كما هو شأن حكاية المحاورات كما بيناه غير مرة في حكاية المحاورات بـ قال ونحوها دون عطف.

وقد خولف ذلك في الآية السابقة للوجه الذي بيناه، وخولف أيضًا في سورة الأعراف وفي سورة هود إذ حكي جواب هؤلاء القوم رسولَهم بدون عطف.

ووجه ذلك أن كلام الملأ المحكيَّ هنا غير كلامهم المحكي في السورتين؛ لأن ما هنا كلامهم الموجَّه إلى خطاب قومهم إذ قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ} إلى آخره خشيةً منهم أن تؤثر دعوة رسولهم في عامتهم، فرأوا الاعتناء بأن يحولوا دون تأثر نفوس


(١) روح المعاني، (٩/ ٢٣١).
(٢) سورة المؤمنون، الآية: (٣٣).

<<  <   >  >>