للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

*كما قام الإمام الرازي بتوجيه آيات المتشابه اللفظي الخاصة بالحروف المقطعة وأطال التوجيه، ونقل العديد من الأراء وناقشها وحللها (١)، ورجح رأى الإمام قطرب (٢).

*يقول الإمام الرازي: «واعلم أن بعد هذا المذهب الذي نصرناه بالأقوال التي حكيناها قول قطرب: من أن المشركين قال بعضهم لبعض {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} (٣) فكان إذا تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول هذه السورة بهذه الألفاظ ما فهموا منها شيئا، والإنسان حريص على ما منع، فكانوا يصغون إلى القرآن ويتفكرون ويتدبرون في مقاطعه ومطالعه، رجاء أنه ربما جاء كلام يفسر ذلك المبهم، ويوضح ذلك المشكل. فصار ذلك وسيلة إلى أن يصيروا مستمعين للقرآن ومتدبرين في مطالعه ومقاطعه. والذي يؤكد هذا المذهب أمران: أحدهما: أن هذه الحروف ما جاءت إلا في أوائل السور، وذلك يوهم أن الغرض ما ذكرنا والثاني: أن العلماء قالوا: إن الحكمة في إنزال المتشابهات هي أن المعلل لما علم اشتمال القرآن على المتشابهات فإنه يتأمل القرآن ويجتهد في التفكر فيه على رجاء أنه ربما وجد شيئا يقوي قوله وينصر مذهبه، فيصير ذلك سببا لوقوفه على المحكمات المخلصة له عن الضلالات، فإذا جاز إنزال المتشابهات التي توهم الضلالات لمثل هذا الغرض فلأن يجوز إنزال هذه الحروف التي لا توهم شيئا من الخطأ والضلال لمثل هذا الغرض كان أولى. أقصى ما في الباب أن يقال: لو جاز ذلك فليجز أن يتكلم بالزنجية مع العربي وأن يتكلم بالهذيان لهذا الغرض، وأيضا فهذا يقدح في كون القرآن هدى وبيانا، لكنا نقول: لم لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى إذا تكلم بالزنجية مع العربي- وكان ذلك متضمنا لمثل هذه المصلحة- فإن ذلك يكون جائزا؟ وتحقيقه أن الكلام فعل من الأفعال، والداعي إليه قد يكون هو الإفادة، وقد يكون غيرها، قوله: «إنه يكون هذيانا» قلنا: إن عنيت بالهذيان الفعل الخالي عن المصلحة بالكلية فليس الأمر كذلك، وإن عنيت به الألفاظ الخالية عن الإفادة فلم قلت إن ذلك يقدح في الحكمة إذا كان فيها وجوه أخر


(١) يُنظر: التفسير الكبير، (٢/ ٣ - ١٢).
(٢) هو محمد بن المستنير بن أحمد، أبو علي النحوي اللغوي البصري، أحد من اختلف إلى سيبويه وتعلم منه، وكان يدلج إليه، وإذا خرج رآه على بابه غدوة وعشية، فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل! فلقب به. واشتهر بمثلثات قطرب، تُوفي سنة ٢٠٦ هـ، يُنظر ترجمته في: «الفهرست» لابن النديم (٥٨، ٥٩)، و «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (٣/ ٢٩٨، ٢٩٩).
(٣) سورة فصلت، الآية: (٢٦).

<<  <   >  >>