للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من المصلحة سوى هذا الوجه؟ وأما وصف القرآن بكونه هدى وبيانا فذلك لا ينافي ما قلناه، لأنه إذا كان الغرض ما ذكرناه كان استماعها من أعظم وجوه البيان والهدى والله أعلم» (١).

ثالثًا: ذكر توجيه المتشابه في الموضع الأول:

*أ. الإمام الرازي غالبًا يذكر توجيه المتشابه اللفظي في الآية الأولى (الموضع الأول)، وحين يعرض متشابه الآية الثانية (الموضع الثاني) يقول سبق توجيه المتشابه، كما فعل الإمام الإسكافي ومن سار خلفه من علماء المتشابه اللفظي في كتبهم المستقلة التي خصصوها لتوجيه آيات المتشابه اللفظي.

ومثال ذلك: الموضع الأول: قال: «قال ههنا {الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} يقصد قول الله عز وجل {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} (٢) بتقديم الضال، وقال في آخر السورة {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} (٣) بتقديم المكذبين، فهل بينهما فرق؟ قلت نعم، وذلك أن المراد من الضالين ههنا هم الذين صدر منهم الإصرار على الحنث العظيم، فضلوا في سبيل الله ولم يصلوا إليه ولم يوحدوه، وذلك ضلال عظيم ثم كذبوا رسله وقالوا {أَئِذَا مِتْنَا} (٤)، فكذبوا بالحشر فقال: {أَيُّهَا الضَّالُّونَ} الذين أشركتم {الْمُكَذِّبُونَ} الذين أنكرتم الحشر، لأكلون ما تكرهون، وأما هناك فقال لهم (أيها المكذبون) الذين كذبتم بالحشر {الضَّالُّونَ} في طريق الخلاص الذين يهتدون إلى النعيم، وفيه وجه آخر وهو أن الخطاب هنا مع الكفار فقال: ياأيها الذين ضللتم أولًا وكذبتم ثانيًا والخطاب في آخر السورة مع محمد صلى الله عليه وسلم يبين له حال الأزواج الثلاثة فقال: المقربون في روح وريحان وجنة ونعيم، وأصحاب اليمين في سلام، وأما المكذبون الذين كذبوا فقد ضلوا فقدم تكذيبهم إشارة إلى كرامة محمد صلى الله عليه وسلم حيث بين أن أقوى في عقابهم تكذبيهم والذي يدل على أن هذا الكلام هناك مع محمد صلى الله عليه وسلم قوله {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (٥).


(١) يُنظر: التفسير الكبير، (٢/ ١٢).
(٢) سورة الواقعة، الآية: (٥١).
(٣) سورة الواقعة، الآية: (٩٢).
(٤) سورة الواقعة، الآية: (٤٧).
(٥) سورة الواقعة، الآية: (٩١). ويُنظر: التفسير الكبير، (٢٩/ ١٧٥).

<<  <   >  >>