للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموضع الثاني: قال الإمام الرازي: «قال ههنا: {مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} (١)، وقال من قبل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} (٢) وقد بينا فائدة التقديم والتأخير هناك» (٣).

فالإمام الرازي قام بتوجيه المتشابه في الموضع الأول عند ذكر الآية الأولى {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} فبين الفرق بين الآيتين وحين ذكر الآية الثانية {مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ} قال: وقد بينا فائدة التقديم والتأخير هناك، وهذا ما فعله في كثير من المواضع (٤).

*ب. لكنه أحيانًا لا يأتي بتوجيه المتشابه في الآية المتقدمة، ويأتي به في الآية المتأخرة.

فعند تفسير الإمام الرازي لقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (٥)، قال: «لم قال في سورة البقرة {مِنْ مِّثْلِهِ} (٦)، وقال ههنا: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ}؟

والجواب: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان رجلًا أميًا، لم يتلمذ لأحد ولم يطالع كتابًا، فقال في سورة البقرة: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِّثْلِهِ} يعني فليأت إنسان يساوي محمدًا عليه السلام في عدم التلمذ وعدم مطالعة الكتب وعدم الانشغال بالعلوم، بسورة تساوي هذه السورة، وحيث ظهر العجز ظهر المعجز. فهذا لا يدل على أن السورة نفسها معجزة، ولكنه يدل على أن ظهور مثل هذه السورة مثل إنسان مثل محمد صلى الله عليه وسلم في عدم التلمذ والتعلم معجز، ثم إنه تعالى بين في هذه السورة أن تلك السورة في نفسها معجز، فإن الخلق وإن تلمذوا وتعلموا وطالعوا وتفكروا، فإنه لا يمكنهم الإتيان بمعارضة سورة واحدة من هذه السور، فلا جرم قال في هذه الآية: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} ولا شك أن هذا ترتيب عجيب في باب التحدي وإظهار المعجز» (٧).


(١) سورة الواقعة، الآية: (٩٢).
(٢) سورة الواقعة، الآية: (٥١).
(٣) التفسير الكبير، (٢٩/ ٢٠٤).
(٤) يُنظر: التفسير الكبير، (٥/ ٩٤، ٩٨)، (١٩/ ١٣٤)، (٢٨/ ٨٨ - ٨٩)، (٣٠/ ٢٠).
(٥) سورة يونس، الآية: (٣٨).
(٦) سورة البقرة، الآية: (٢٣).
(٧) التفسير الكبير، (١٧/ ١٠١).

<<  <   >  >>