للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد قام الإمام الرازي بتوجيه المتشابه في الموضع الثاني في سورة يونس، ولم يوجهه في الموضع الأول في سورة البقرة.

وعند تفسيره لقوله تعالى {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} (١): قال: «قال تعالى في سورة الحاقة {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ} (٢)، والضريع غير الغسلين (والجواب) من وجهين: (الأول) أن النار دركات فمن أهل النار من طعامه الزموم، ومنهم من طعامه الغسلين، ومنهم من طعامه الضريع، ومنهم من شرابه الحميم، ومنهم من شرابه الصديد، لكل باب منهم جزء مقسوم (الثاني) يحتمل أن يكون الغسلين من الضريع، ويكون ذلك كقوله: مالي طعام إلا من الشاء، ثم يقول: مالي طعام إلا من اللبن، ولا تناقض لأن اللبن من الشاء» (٣).

أرى هنا أن الإمام الرازي قام بتوجيه المتشابه اللفظي في الآية المتأخرة (في الموضع الثاني) {لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ}، ولم يوجهه في الآية الأولى (في الموضع الأول) {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ}، وهذا ما قام به في بعض المواضع (٤).

ج. إلا أنه أحيانًا يذكر بعض التوجيه في الآية الأولى (الموضع الأول) ولكنه يفصله أكثر في الآية الثانية (الموضع الثاني).

ومثال ذلك: الموضع الأول: قوله ههنا {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (٥)، يفيد أن المواعدة كانت من أول الأمر على الأربعين، وقوله في الأعراف: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} (٦) يفيد أن المواعدة كانت في أول الأمر على الثلاثين فكيف التوفيق بينهما؟ أجاب


(١) سورة الغاشية، الآية: (٦).
(٢) سورة الحاقة، الآيتان: (٣٥، ٣٦).
(٣) التفسير الكبير، (٣١/ ١٥٤).
(٤) يُنظر: التفسير الكبير، (٩/ ١٣٨، ١٣٩)، (١٢/ ١٣٤)، (١٣/ ٢٢٢)، (١٦/ ١٣٤)، (١٦/ ١٥٧ - ١٥٩، ٢٤٠)، (٢٥/ ٣٩).
(٥) سورة البقرة، الآية: (٥١).
(٦) سورة الأعراف، الآية: (١٤٢).

<<  <   >  >>