للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من خلال المثال يتضح أن الإمام الرازي قام بتوجيه المتشابه في الموضع الثاني (تقديم الحياة على الموت)، ولم يذكر التوجيه في الموضع الأول (سبب تقديم الموت على الحياة في الآيات التي استدل بها) وهذا ما قام به في بعض المواضع (١).

*هـ. وأحيانًا يذكر التوجيه مرة أخرى، ولكن مختصرًا في الموضع الثاني.

ومثال ذلك: قال: «ذكر في سورة البقرة: {يُذَبِّحُونَ} (٢)، وفي سورة الأعراف: {يُقَتِّلُونَ} (٣) وههنا (ويذبحون) مع الواو فما الفرق؟

والجواب: قال تعالى في سورة البقرة: {يُذَبِّحُونَ} بغير واو لأنه تفسير لقوله {سُوءَ الْعَذَابِ} (٤)، وفي التفسير لا يحسن ذكر الواو تقول: أتاني القوم زيد وعمرو. لأنك أردت أن تفسر القوم بهما ومثله قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (٥)، فالآثام لما صار مفسرًا بمضاعفة العذاب لا جرم حذف عنه الواو، أما في هذه السورة فقد أدخل الواو فيه، لأن المعنى أنهم يعذبونهم بغير التذبيح وبالتذبيح أيضًا فقوله {يُذَبِّحُونَ} نوع آخر من العذاب، لا أنه تفسير لما قبله» (٦).

أرى هنا أن الإمام الرازي ذكر التوجيه في الموضع الثاني أثناء تفسيره لسورة إبراهيم مختصرًا، أما الموضع الأول في سورة البقرة فقد ذكره بتفصيل أكثر.

قال: «ذكر في هذه السورة {يُذَبِّحُونَ} بلا واو وفي سورة إبراهيم ذكره بالواو والوجه فيه أنه إذا جعل قوله {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (٧) مفسرًا بسائر التكاليف الشاقة سوى الذبح وجعل الذبح شيئًا آخر سوى سوء العذاب احتيج فيه إلى الواو، وفي الموضعين يحتمل الوجهين إلا أن الفائدة التي يجوز أن تكون هي المقصودة من ذكر حرف العطف في سورة إبراهيم أن يقال: إنه تعالى


(١) يُنظر التفسير الكبير، (٧/ ٢٥)، (٢٠/ ١٥).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٤٩).
(٣) سورة الأعراف، الآية: (١٤١).
(٤) سورة البقرة، الآية: (٤٩).
(٥) سورة الفرقان، الآيتان: (٦٨، ٦٩).
(٦) التفسير الكبير، (١٩/ ٨٦).
(٧) سورة البقرة، الآية: (٤٩).

<<  <   >  >>