للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما في سورة البقرة فإنه لم يذكر في الآيات التي قبل قوله: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} تمييزًا وتخصيصًا حتى يلزم في آخر القصة ذكر ذلك التخصيص فظهر الفرق» (١).

وقال الإمام الإسكافي في درة التنزيل: «وللسائل أن يسأل فيقول: هل في زيادة (منهم) في هذه الآية في سورة الأعراف حكمة وفائدة تقتضيانها ليستا في سورة البقرة؟

والجواب أن يقال: إن قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا .. } وإن لم يذكر فيه منهم معلوم أن المراد بالظالمين: الذين ظلموا من المخاطبين بقوله: {ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}، {فَكُلُوا}، {وَقُولُوا حِطَّةٌ}، فالذين ظلموا من هؤلاء هم الموصوفون بالتبديل، والمغيرون لما قدم إليهم من القول إلا أن في سورة الأعراف معنى يقتضي زيادة منهم هناك ولا يقتضيها هنا، وهو أن أول القصة في سورة الأعراف مبني على التخصيص والتمييز بدليل لفظ من لأنه قال تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (٢)، فذكر أن منهم من يفعل ذلك، ثم عد صنوفا إنعامه عليهم، وأوامره لهم، فلما انتهت قال: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ .. } فأتى في آخر ما حكى عنهم من مقابلة نعم الله عليهم بتبديلهم ما قدم به القول إليه فأتى بلفظ من التي هي للتخصيص والتمييز بناء على أول القصة التي هي: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى .. } ليكون آخر (٥/ ب) الكلام لأوله مساوقا، وعجزه لصدره مطابقا، فيكون الظالمون من قول موسى بإزاء الهادين منهم، وهناك ذكر أمة هادية عادلة، وهنا ذكر أمة مبدلة عادية مائلة، وكلتاهما من قوم موسى، فاقتضت التسوية في المقابلة ذكر (مِنْهُمْ) في سورة الأعراف» (٣).

من خلال عرض رأى الإمامين الجليلين يتضح أن الإمام الرازي قد نقل من الإمام الإسكافي دون أن يشير إلى ذلك.


(١) التفسير الكبير (٣/ ١٠٠).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (١٥٩).
(٣) درة التنزيل وغرة التأويل، (١/ ٢٤٣، ٢٤٤).

<<  <   >  >>