للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة السابعة:

قال الإمام الرازي: «إنما قال في هذه السورة: {بَلَدًا آمِنًا} (١)، على التنكير وقال في سورة إبراهيم: {هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (٢)، على التعريف لوجهين:

(الأول): أن الدعوة الأولى وقعت ولم يكن المكان قد جعل بلدًا، كأنه قال: اجعل هذا الوادي بلدًا أمنًا لأنه تعالى حكى عنه أنه قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} (٣) فقال: ههنا اجعل هذا الوادي بلدًا أمنًا. والدعوة الثانية وقعت وقد جعل بلدًا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي الذي صيرته بلدًا ذا أمن وسلامة، كقولك: جعلت هذا الرجل آمنًا.

(الثاني): أن تكون الدعوتان وقعتا بعدما صار المكان بلدًا، فقوله: {اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} تقديره: اجعل هذا البلد بلدًا آمنا، كقولك: كان اليوم يومًا حارًا، وهذا إنما تذكره للمبالغة في وصفه بالحرارة، لأن التنكير يدل على المبالغة، فقوله: {رب اجعل هذا بلدًا أمنًا} معناه: اجعله من البلدان الكاملة في الأمن، وإما قوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} فليس فيه إلا طلب الأمن لا طلب المبالغة» (٤).

وقال الإمام الإسكافي في درة التنزيل: «قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا} (٥)، وقال في سورة إبراهيم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا} (٦).

لسائل أن يسأل فيقول: لم كان في سورة البقرة بلدا نكرة، وفي سورة ابراهيم معرفة؟

والجواب عن ذلك من وجهين:

أحدهما: أن يقال: إن الدعوة الأولى وقعت، ولم يكن المكان قد جعل بلدا، فكأنه قال: رب اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، لأن الله تعالى حكى عنه أنه قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: ٣٧] بعد قوله: اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، ووجه الكلام فيه: تنكير بلد الذي هو مفعول ثان، وهذا مفعول أول. والدعوة الثانية وقعت وقد جعل الوادي


(١) سورة البقرة، الآية: (١٢٦).
(٢) سورة إبراهيم، الآية: (٣٥).
(٣) سورة إبراهيم، الآية: (٣٧).
(٤) التفسير الكبير (٤/ ٦٠).
(٥) سورة البقرة، الآية: (١٢٦).
(٦) سورة إبراهيم، الآية: (٣٥).

<<  <   >  >>