للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصحف بنفس خطّه.

أمّا اختلاف القرّاء في عدّها؛ فإنّه سهل محتمل بعد ما اتّفقوا أنّها قرآن، كما اتّفقوا على ما في المصحف، وإنّما اختلافهم في عدّها آية أو بعض آية، من كلّ سورة أو من الفاتحة فقط (١).

وأمّا الدّليل على أنّها قرآن كانت تنزل فصلا بين السّورتين وليست

منهما، عدا الفاتحة، فحديث عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما، قال:

كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يعرف خاتمة السّورة حتّى ينزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١، فإذا نزل بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١ علم أنّ السّورة قد ختمت، واستقبلت أو ابتدئت سورة أخرى (٢).


(١) انظر: النّشر في القراءات العشر، لابن الجزريّ (١/ ٢٧١).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البزّار (رقم: ٢١٨٧ - كشف الأستار) من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، به.
وأخرجه بنحوه: أبو داود (رقم: ٧٨٨) والطّحاويّ في «شرح المشكل» (رقم:
١٣٧٦) والحاكم (رقم: ٨٤٥) والبيهقيّ (٢/ ٤٢) من طريق ابن عيينة بإسناده.
قلت: إسناده صحيح، وبعض من رواه عن سفيان لا يذكر فيه ابن عبّاس، وذكره فيه محفوظ من وجوه صحاح، ولم يتفرّد به سفيان عن عمرو، كما لم يتفرّد به عمرو عن سعيد، ممّا يطول شرحه، والمهمّ هنا أن تعلم أنّ ذلك الاختلاف لا أثر له في صحّة الحديث، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشّيخين».
واعلم أنّ مسألة البسملة هذه مسألة طويلة الأطراف، والّذي يهمّنا هاهنا أن نبيّن أنّها قرآن كما هي في المصحف، وأنّها لم تكن من وضع الصّحابة بآرائهم، إنّما لما علموه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّها من الفاتحة، وأنّها كانت تنزل عليه ليعلم فصل السّورة، لذا أثبتوها بين كلّ سورتين غير الأنفال والتّوبة؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مات ولم يبيّن لهم أنّها والأنفال سورة واحدة أو سورتان كما دلّ عليه حديث عثمان المتقدّم في المبحث الأوّل من هذا الفصل، فلم يكتبوا سطر البسملة الّذي قد علموا بالتّوقيف أنّه للفصل بين السّورتين.
واعلم أنّه ما زاد أحد في القرآن شيئا ولا نقص منه من جميع هؤلاء المختلفين من العلماء في شأن البسملة، خلافا لما زعمه بعض من انتصر إلى مذهب من المذاهب فيها.

<<  <   >  >>