وزعم بعض من ينسب إلى السّنّة في مسألة (امتناع النّسخ في الأخبار) أنّ النّسخ ممتنع في الأخبار إلّا أخبار الوعيد، فإنّه يجوز فيها النّسخ.
وهذا القول خطأ بيّن، فإنّ خبر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم في وعد أو وعيد حقّ كما أخبرنا به، وهو واقع كما جاء به الخبر، ولا يستشكل أنّ الله تعالى قد لا ينفذ الوعيد؛ لأنّه أخبرنا أنّ وعيده بمشيئته، فإن شاء عذّب عدلا، وإن شاء رحم فضلا، كما هو الشّأن في عصاة الموحّدين، وأخبرنا أنّ فريقا ممّن استحقّوا الوعيد لا انفكاك لهم عنه بحال، كالكفّار في نار جهنّم، فأيّ نسخ يكون فيه وهو إمّا منجّز وإمّا معلّق بنفس دلالة الخبر؟
ودلّ تحقيق هذا الشّرط على أنّ النّسخ لا يتصوّر وقوعه بعد موت النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ لانقطاع الوحي، وعليه فلا نسخ بشيء من المسالك الثّلاثة التّالية:
١ - مذاهب الصّحابة وأقوالهم.
فأقاويلهم كانت تصدر منهم باجتهاد، لا ينزّل منها شيء منزلة النّصّ، فلو نقل عن بعضهم الرّأي بخلاف النّصّ، فرأيه محكوم بالنّصّ، ويعتذر عن الصّحابيّ في خلافه له.
فمثلا ما زعمته طائفة أنّ حلّ نكاح المتعة كان محكما، وإنّما حرّمه عمر بن الخطّاب، فهذا خطأ، وإنّما حرّم عمر ما ثبت تحريمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (١)، وما كان لعمر ولا لأحد بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يبدّل المحكمات من دين
(١) انظر: «تحريم نكاح المتعة» للحافظ أبي الفتح نصر المقدسيّ.