كذلك نرى في تميّز المصحف في خطّه ورسمه عن سائر الكتب خصوصيّة لكتاب الله، ولو كتب على نمط سائر الكتب لذهب عنه ذلك الاختصاص، وهذه مصلحة أخرى تنضمّ إلى سابقتها لا يصلح تفويتها.
ورأينا من يكتب الصّوت بالنّصّ القرآنيّ بغير الحروف العربيّة، ككتابته بحروف لاتينيّة، يقصد به تيسير أخذ القرآن لمن لغته على تلك الحروف.
وهذا عمل إذا ضبط فهو حسن وفيه مصلحة بيّنة، لكنّه ليس بمصحف، إنّما هو بمنزلة التّسجيل الصّوتيّ لتلاوة تال للقرآن، فلا يصحّ أن يقال في ذلك (مصحف)، والنّاس وإن كانوا يفعلون ذلك اليوم، فيقولون (المصحف المرتّل) فهو من أغلاطهم الشّائعة، وإنّما المصحف هو المكتوب بين اللّوحين على الرّسم العثمانيّ، فأمّا (بين اللّوحين) فهو مقتضى اللّغة، وأمّا (على الرّسم العثمانيّ) فهو اتّفاق المسلمين بعد عثمان.
هل تجب المحافظة على خطّ المصحف عند الاقتباس منه؟
ما تقدّم من وجوب المحافظة على الرّسم فهو عند كتابة مصحف، أمّا اقتباس الكتّاب والمؤلّفين الآية والآيات فليس هناك ما يوجب الوقوف عند رسم المصحف في ذلك النّصّ المقتبس، إذ ليس له خصائصه، ولم يزل علماء الأمّة منذ القديم كما رأيناه في المخطوطات القديمة وإلى اليوم لا يلتزمون الثّبات في ذلك على الرّسم.