كتموا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سألهم وأجابوه بغيره معجبين بما صنعوا، مظهرين للنّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّهم أعطوه ما أراد، يرجون بذلك ثناءه عليهم ومدحه لهم.
ولم يرد ابن عبّاس أن يجعل الآية مقصورة عليهم، فإنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب، وإنّما بيّن لمروان غلطه باستعماله عموم اللّفظ دون مراعاة سبب النّزول في فهم ذلك العموم، فالآية عامّة فيمن صنع صنيع أولئك اليهود، والله إنّما ذكر نبأهم للاعتبار، لكن ذلك الاعتبار يجب أن يراعى فيه مورد الآية، اتّقاء لتنزيل النصّ في غير محلّه.
[المبحث السادس: وجوب التحقق من صحة السبب]
لما تقدّم بيانه من أثر معرفة أسباب نزول القرآن على فهمه على أفضل وجه وأتمّه، فإنّه يجب التّحرّي في ثبوت ذلك، واعلم أنّ الغلط يرد في هذا من جهة تحديث الإنسان بكلّ ما يبلغه، وكفى بالمرء إثما أن يحدّث بكلّ ما سمع دون أن يتحقّق من صحّة ذلك.
مثل ما حدّث به يوسف بن ماهك، قال: كان مروان على
الحجاز استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرّحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا، فقال مروان: إنّ هذا الّذي أنزل الله فيه: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي [الأحقاف: ١٧]، فقالت عائشة من وراء