بأحدهما ممّا يندرج تحت قوله تعالى: أَوْ نُنْسِها [البقرة: ١٠٦] على قراءتي عبد الله بن كثير المكّيّ وأبي عمرو بن العلاء البصريّ من السّبعة، فقال الزّركشيّ:«ما أمر به لسبب ثمّ يزول السّبب، كالأمر حين الضّعف والقلّة بالصّبر وبالمغفرة للّذين لا يرجون لقاء الله، ونحوه من عدم إيجاب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والجهاد ونحوها، ثمّ نسخه إيجاب ذلك، وهذا ليس بنسخ في الحقيقة، وإنّما هو نسء، كما
قال تعالى: أَوْ نُنْسِها، فالمنسأ هو الأمر بالقتال إلى أن يقوى المسلمون، وفي حال الضّعف يكون الحكم وجوب الصّبر على الأذى، وبهذا التّحقيق تبيّن ضعف ما لهج به كثير من المفسّرين في الآيات الآمرة بالتّخفيف أنّها منسوخة بآية السّيف، وليست كذلك، بل هي من المنسأ، بمعنى أنّ كلّ أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلّة توجب ذلك الحكم، ثمّ ينتقل بانتقال تلك العلّة إلى حكم آخر، وليس بنسخ، إنّما النّسخ الإزالة حتّى لا يجوز امتثاله أبدا» (١).
٥ - نقل حكم الإباحة الأصليّة:
والمراد به ما كان مسكوتا عنه من الأشياء، كالمآكل والمشارب والملابس، وشبه ذلك، فكان حكمه قبل ورود النّاقل على الإباحة، وهي حكم مستفاد من مجرّد سكوت الشّارع عن ذلك.
فوقع في كلام بعض السّلف إطلاق اسم النّسخ على تغيير تلك الإباحة