في عهد الصّدّيق جمع القرآن من السّطور والصّدور على الصّفة الّتي أخذها النّاس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكتبها بأمره كتّاب الوحي، فصارت جميعا بما فيها الأحرف السّبعة في صحف، محفوظة في موضع واحد، ولم تكتب منها المصاحف يومئذ، كما أنّ ظاهر الأمر أنّ السّور لم تؤلّف يومئذ على صفة معيّنة، إنّما في قصّة ذلك ما يشعر بضمّ آيات السّورة الواحدة إلى بعضها كما سمعوها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبوها عنه كالشّأن في آخر سورة التّوبة.
وأمّا في عهد عثمان؛ فإنّ الجمع كان بكتابة مصحف يكون للنّاس إماما، لا يختلف في شيء من حروفه، يعصمون به من
الضّلالة، وجعل عثمان رضي الله عنه إمامه في ذلك الصّحف الّتي جمعت في عهد الصّدّيق، وأمر الكتّاب أن يصيروا فيما اختلفوا فيه عند الكتابة إلى لغة قريش فتكون فصلا بينهم، وكلّ حرف لا يأتي على موافقة الرّسم وإن كان من السّبعة؛ فلم يكتبوه في المصحف، ذلك أنّ الصّحابة أدركوا المعنى الّذي لأجله أنزل القرآن على سبعة أحرف، وهو التّيسير على التّالين، وأنّه ما من حرف إلّا وهو على وفاق الآخر في معناه، ورأوا بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ابتداء ظهور اختلاف الأمّة بسبب ذلك، كما رأوا العلّة في اختلاف الأحرف الّتي هي التّيسير قد زالت، وبدأ يحلّ محلّها فرقة وفتنة، فدرءوا تلك الفتنة بحفظ القرآن مجموعا على رسم واحد عمّم على جميع عواصم الدّولة الإسلاميّة، وبقي من تلك الأحرف ما يتّفق في الرّسم مع المصحف الإمام.