والأقسام الّتي تكون عليها تلاوة القرآن من حيث حكمها ثلاثة:
الأوّل: فرض عين.
ولم نجد في نصوص الكتاب والسّنّة ما يوجب على كلّ فرد من
المسلمين أن يتلو من القرآن سوى ما تصحّ به الصّلاة، وهو سورة الفاتحة وحدها على التّحقيق، ممّا محلّ بسطه في غير هذا الموضع.
والثّاني: فرض كفاية.
وذلك أنّ الله تعالى أوجب إيجاد طائفة أهل الذّكر الّذين يبصّرون النّاس بشرائع ربّهم ودينه، وذلك مستلزم كونهم يتلون كلامه، قال تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التّوبة: ١٢٢].
وأمر الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن؛ لأنّه المبلّغ عن الله، كما قال تعالى:
وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ [النّمل: ٩١ - ٩٢]، وأهل الذّكر من أمّته على أثره صلى الله عليه وسلم، مأمورون بالتّبليغ من بعده.
يؤيّد أنّه فرض كفاية أنّ النّاس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا جميعا يقرءون، ولم يوجب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم من القراءة أكثر ممّا تصحّ به الصّلاة، هذا مع أمر الله تعالى في كتابه بتدبّر القرآن وتلاوته، ممّا دلّ على أنّ ذلك الأمر لأجل أن تبقى في النّاس علوم هذا الكتاب، بحيث لا يزال فيهم من يبلّغهم شرائعه وأحكامه، وهذا تحقّقه طائفة من الأمّة.