وكانوا يكتبونه فيما تهيّأ لهم الكتابة فيه، من الجلود وجريد النّخل وغير ذلك، ولم يكن جمعهم له مكتوبا على صفة الكتاب الواحد تجمع أوراقه إلى بعضها لتعذّر ذلك يومئذ، حيث كان القرآن مستمرّ النّزول، وربّما نزلت الآية أو السّورة فقال لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«ضعوها في موضع كذا وكذا»، كما كان نسخ التّلاوة واردا في حياته صلى الله عليه وسلم، فلو كان مؤلّفا على صفة الكتاب التّامّ لشقّ معه إضافة الجديد وإزالة المنسوخ، خاصّة وأنّهم ما كان لهم من آلة الكتابة يومئذ ما تهيّأ لمن بعدهم.
المرحلة الثّانية: جمع القرآن في عهد الصّدّيق:
وهذه يبيّنها أخبر النّاس بها كاتب الوحي الأمين زيد بن ثابت.
قال، رضي الله عنه: أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة (١)، فإذا عمر بن الخطّاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إنّ عمر أتاني فقال:
إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك