وكان إمام أهل الشّام التّابعيّ حسّان بن عطيّة يقول: كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسّنّة، كما ينزل عليه بالقرآن، فيعلّمه إيّاها كما يعلّمه القرآن (١).
فكأنّه يعني قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ٥ وهو جبريل عليه السّلام.
أمّا معنى قوله: أَوْ نُنْسِها فهو من الإنساء، وهو رفع الله عزّ وجلّ لها من الصّدور، كما قال الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وسلم: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى: ٦ - ٧]، وقد ثبت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان قد قرأ قرآنا ثمّ أنسيه، وأقرأ أصحابه قرآنا فأزاله الله من صدورهم بقدرته.
ومن الدّليل على صحّة ذلك ما حدّث به أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن رهط من الأنصار من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
أنّه قام رجل منهم في جوف اللّيل يريد أن يفتتح سورة قد كان وعاها، فلم يقدر منها على شيء إلّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فأتى باب النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين أصبح، يسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ثمّ جاء آخر، وآخر، حتّى اجتمعوا، فسأل بعضهم بعضا: ما جمعهم؟ فأخبر بعضهم بعضا بشأن تلك السّورة، ثمّ أذن لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأخبروه خبرهم وسألوه عن السّورة،
(١) أثر صحيح. أخرجه الدّارميّ في «مسنده» (رقم: ٥٩٤) وابن نصر في «السّنّة» (رقم: ١٠٢، ٤٠٢) وإسناده صحيح.