أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، فهو قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ١.
وفي لفظ: أنزل القرآن كلّه جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السّماء الدّنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا أنزله منه، حتّى جمعه (١).
وهذا خبر تلقّاه أكثر العلماء بالقبول، وهو مرويّ من وجوه متعدّدة عن ابن عبّاس، ومثله إخبار عن أمر غيبيّ لا يصار إلى مثله إلّا بتوقيف، فله حكم الحديث المرفوع، والقول به أولى من القول بمجرّد النّظر.
ومن العلماء من يرى أنّ الحكمة من إنزاله جملة واحدة إلى السّماء الدّنيا وهو كتاب الله تعالى إلى أهل الأرض، هي: إعلام الملإ الأعلى بالرّسالة الجديدة إلى أهل الأرض،
وبيان فضيلة من يوحى إليه هذا الدّستور وفضيلة أتباعه، خاصّة مع حدوث ذلك في أعظم ليلة، ليلة قال الله فيها: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ٤ [الدخان: ٤]، وقال فيها: خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: ٣]، فهو تمجيد للقرآن نفسه، وللرّسول الموحى إليه به صلى الله عليه وسلم، وللأمّة الّتي ستسعد بالاهتداء به.
ولعلّ من وراء ذلك حكما هي في علم الله أكبر ممّا ذكر وأجلّ وأعظم، والله أعلم.
(١) أثران صحيحان. أخرجهما ابن جرير الطّبريّ في «تفسيره» (٢/ ١٤٥) بسند صحيح.