وفي هذا الوقت وبعده كثر التّصنيف في التّفسير، حتّى فاقت المصنّفات فيه الحصر، كما هو الشّأن في سائر الفنون، وتنوّعت فيه المسالك بين اختصار وتطويل، واتّباع وابتداع، وتوسّع النّاس فيه بالرّأي، بين محمود ومذموم، وإن أردت تمييز ذلك ممّا تقف عليه من تلك الكتب فحاكمها بما تقدّم شرحه من صفة المفسّر ومنهج التّفسير.
وآت في الفصل التّالي لهذا زيادة تمييز تعين على انتخاب أقرب تلك الكتب إلى تحقيق المنفعة بالقرآن، مع الوقاية من معاطب الرّأي وزلل أهله.
وجدير أن تعلم أنّه أفرد بالتّصنيف أبواب من التّفسير، كتفسير آيات الصّفات، وقصص القرآن، وآيات الأحكام، وغير ذلك.
وأبرزها تفسير آيات الأحكام، فقد لقي من التّحرير والتّهذيب ما لم يكن مثله لسائر الأبواب، ولا يخفى أنّ سببه ما ينبني عليه من تفاصيل الشّرائع العمليّة، فمن أعيان من صنّف فيه من الأقدمين:
القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكيّ المتوفّى سنة (٢٨٢ هـ)(١)، وأبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الطّحاويّ الحنفيّ المتوفّى سنة (٣٢١ هـ)، وعلى خطاه جرى أبو بكر أحمد بن عليّ الرّازيّ الجصّاص المتوفّى سنة
(١) وكتابه «أحكام القرآن» منه اقتباس كثير في الكتب، وقد قال فيه الذّهبيّ في ترجمته: «لم يسبق إلى مثله» (سير أعلام النّبلاء ١٣/ ٣٤٠).