أنّ ناسا من أهل الشّرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا، فأتوا محمّدا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارة، فنزل: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان: ٦٨]، ونزل: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزّمر: ٥٣](١).
فهذان الحديثان جميعا صحيحان من جهة النّقل، واختلفا في الظّاهر في بيان السّبب الّذي نزلت لأجله الآية، فطريق التّوفيق بينهما أنّك لو تأمّلت أقربهما في إفادة السّببيّة وجدتها أظهر في حديث ابن عبّاس، فإنّه صريح في نزول الآية جوابا لسؤال النّفر من أهل الشّرك عن كفّارة أعمالهم.
أمّا حديث ابن مسعود فليس فيه من المناسبة بين سياق الحديث ونزول الآية غير ما جاء فيها من موافقة القرآن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بلازم من تلك الموافقة أن تكون الآية نزلت بخصوصها، وإنّما وجد ابن مسعود اندراج الحكم المذكور فيما حدّث به النّبيّ صلى الله عليه وسلم في جملة الآية، ولا ريب أنّها نزلت في إفادة ذلك الحكم والدّلالة عليه، فهو استدلال بعموم الآية من قبل ابن مسعود.