أنّ هلال بن أميّة قذف امرأته عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«البيّنة أو حدّ في ظهرك»، فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البيّنة! فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول:«البيّنة وإلّا فحدّ في ظهرك»، فقال هلال: والّذي بعثك بالحقّ إنّي لصادق، فلينزلنّ الله ما يبرّئ ظهري من الحدّ، فنزل جبريل وأنزل عليه: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ فقرأ حتّى بلغ: إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النّور: ٦ - ٩]، (وذكر سائر الحديث)(١).
فهذا وشبهه ليس من التّعارض، إنّما هو من نزول الآية أو الآيات لأكثر من سبب، ربّما توافق السّببان وقتا فنزلت الآية فيهما، وربّما تكرّر نزول الآية عند تكرّر الوقعة المقتضية لها، ولا يمنع من
ذلك كونها موجودة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنّزول الأوّل تناول الحدث الأوّل مع الإعلام للنّبيّ صلى الله عليه وسلم بما تضمّنته الآية من عموم الحكم لنظائر تلك الوقعة وأشباهها، والنّزول الثّاني ليعرف أنّ الحدث الجديد مراد بتلك الآية على سبيل القطع واليقين، إذ كلّ آية تنزل لسبب فإنّ إرادة السّبب بها قطعيّة، بخلاف ما يخضع لتصرّفات الحاكم واجتهاده، فإنّ تنزيله الآية على وقعة أو حدث فإنّما يقع على سبيل الظّنّ لا القطع، وهذه فائدة جليلة في مثل هذه الصّورة من أسباب النّزول.