وهذا باب مرجعنا فيه إلى عمومات النّصوص، ولا يطلب له النّصّ الخاصّ من الهدي النّبويّ؛ لأنّ المصاحف لم تكن وجدت يومئذ، فإذا صحّ ذلك كان مقتضى العموم إباحة كلّ فعل يحصل به التّعظيم، غير أنّ من النّاس من قد يصير إلى التّكلّف فيه، لذا وجب أن يضبط بضابط، وأحسن ما نراه ضابطا لذلك هو: أن يكون الفعل الّذي قصد به تعظيم المصحف ممّا أثر عن سلف الأمّة، من الصّحابة والتّابعين، ولسنا نعني بذلك التّخصيص للعامّ بأفعالهم، أو الاحتجاج بها، وإنّما قصدنا إلى منع التّكلّف، وهو مقصود شرعيّ صحيح، وهدي السّلف أبعد عن التّكلّف مع شدّة تعظيمهم للقرآن، والمصاحف كثرت في أزمانهم، فما وجدناه من الأفعال منقولا عنهم، أو وجدنا عنهم نظيره، فهو الّذي ينتهى إليه، وما لم ينقل عنهم ولم نجد له نظيرا في هديهم فيترك.
وإنّما دعانا إلى هذا التّنبيه أن وجدنا من النّاس من يتكلّف أمورا يتديّن بها ممّا يعدّها من تعظيم المصحف، والعمل بها من التّنطّع في الدّين، والمشقّة على النّفس وعموم المسلمين، مثل:
قيام الشّخص للمصحف إذا أحضر.
وإذا كان المصحف في جهة فإنّه لا يستدبره، فإذا كان في موضع فأراد الخروج منه، استقبل المصحف ورجع القهقرى حتّى يفارق الموضع.