من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا، وأقوم قاعدة في جميع جهات الترجيحات على ما قررناه في مقدمة الكتاب، وغير مخفي على من الحديث من صناعته، أن حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس في جهة واحدة في الترجيح فضلا عن الجهات كلها. ومنها: أن جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة، ولو قدرنا أنها محفوظة وأن الحديث ثابت، كانت منسوخة بدليل ما ذكره الأثرم، قيل لأبي عبد الله: أليس حديث أبي محذورة بعد فتح مكة؟ فقال: أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأقر بلالا على أذان ابن زيد؟!.
وفي لفظ: ولكن أذان بلال هو آخر الأذانين انتهى كلامه، وفيه نظر من حيث إنه قال: من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا، وأقوم إلى آخره؛ لأنه ليس من شرط الناسخ ما ذكر، بل يكفي أن يكون صحيحا متأخرا معارضا غير ممكن للجمع بينه وبين معارضه، فلو فرضناهما متساويين في الصحة، ووجد ما ذكرناه من الشروط ثبت النسخ، وأما أن يشترط أن يكون أرجح من المعارض في الصحة فلا يسلم، نعم. لو كان دونه في الصحة لكان فيه نظر، وهذا الذي ذكرته هو الذي مشى عليه هو في كتابه، من ذلك ما ذكره منسوخا من عند البخاري: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم. بحديث حسنه هو، إلى غير ذلك من الأحاديث، وكذا فعله ابن شاهين، وقبله الأثرم، وتبعهم على ذلك الخرقي - والله تعالى أعلم - وأما قوله: فحملها بعض الرواة على جميع كلماتها فهو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، وإنما يقوي احتماله إذا نظر إلى لفظ عام أو مطلق في ألفاظ الإقامة كرواية من روى: مثنى، مثنى، وأما ما فيها من الروايات حكاية ألفاظ الإقامة لفظة لفظة فتبعه هذا الظن، قال أبو عمرو: كقول أبي حنيفة يقول الثوري، والحسن بن حي، وعبيد الله بن الحسن، وجماعة التابعين والفقهاء بالعراق متوارث عندهم بالعمل قرنا بعد قرن، وقال الأثرم عن أحمد: من أقام مثنى مثنى لم أعنفه، وليس