للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوجب التنزه عنه، لأنه ماء الذنوب، وهذا عندي لا وجه له، لأن الذنوب لا تنجس الماء، لأنها لا أشخاص لها، ولا أجسام تمازج الماء، فتفسده، وإنما معنى قوله: خرجت الخطايا مع الماء إعلامًا منه بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به السيئات عن عباده المؤمنين رحمة منه بهم.

وقد اختلف الفقهاء في الماء المستعمل: فقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما: لا يتوضأ به، ومَنْ توضأ به أعاد، لأنه ليس ماء مطلقًا ويتيمم واجده، لأنه ليس بواجد ماءً، وقال بقولهم في ذلك أصبغ بن الفرج، وهو قول الأوزاعي، وأما مالك فقال: لا يتوضأ به إذا وجد غيره من الماء، ولا خير فيه، ثم قال: إذا لم يجد غيره توضأ به، ولم يتيمم، لأنه ماء طاهر، لم يغيره شيء.

وقال أبو ثور وداود: الوضوء بالمستعمل جائز، لأنه ماء طاهر، لا ينضاف إليه شيء، وهو ماء مطلق، واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ نجاسة، وإلى هذا ذهب محمد بن نصر المروزي، ورُوي عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، والنخعي، ومكحول، والزهري، أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه، فوجد في لحيته بللًا أن يمسح بذلك البلل رأسه.

فهؤلاء كلهم اختاروا الوضوء بالماء المستعمل، وأما مالك والشّافعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم، فلا يجوز ذلك عندهم، ولو فعل لم يجزه، وكان عليه الإعادة لكلّ ما صلى بذلك الوضوء؛ لأنه قد أُدِّيَ به فرض، فلا يؤدى به فرض آخَر كالجمار وشبهها.

قال أبو عمر: الجمار مختلف فيه.

وقال بعض المنتمين إلى العلم من أهل عصرنا: إنَّ الكبائر والصغائر تكفرها الطهارة والصلاة، واحتج بظاهر حديث الصنابحي، وبمثله من الآثار، وبقوله: فما ترون ذلك يُبْقِي من ذنوبه، وهذا جهل

<<  <  ج: ص:  >  >>