ومنها: طول صحبته وكثرة روايته، ثم لو سلمنا ثبوت حديث بُسرة، فمن أين لكم ادعاء النسخ في ذلك؛ إذ ليس في حديث بُسرة ما يدل على النسخ؟ بل أولى الطرق أن يجمع بين الحديثين، كما حكاه لوين عن ابن عيينة، فإنه قال: تفسير حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من مس ذكره فليتوضأ، معناه: أن يغسل يده إذا مسّه، وردّ ذلك ابن حزْم، فقال: هذا باطل، لم يقل أحدٌ: إنّ غسل اليد واجب أو مستحب من مس الفرج، لا المتأولون لهذا التأويل الفاسد ولا غيرهم، ويقال لهم: إن كان كما تقولون فأنتم أول مخالفين للأمر، وأيضا فإنه لا يطلق الوضوء في الشّريعة إّلا لوضوء الصلاة، وقد أنكر - عليه السلام - إيقاع هذه اللفظة على غير الوضوء للصلاة، لما أتى من الغائط فأتي بطعام، فقيل: ألا تتوضأ؟ فقال: لم أصل فأتوضأ، وقد جاء مبينا في حديث بُسّرة: فليتوضأ وضوءه للصلاة، وقال ابن حبّان: خبر طلق منسوخ؛ لأن قدومه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول سنة من سني الهجرة، وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضُوء من مسّ الذكر، وأبو هريرة أسلم سنة سبْع، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بسبع سنين، ثم قال: ذكر الخبر المصّرح برجوع طلق إلى بلده بعد قدمته تلك.
قال: أنا أبو خليفة، نا مسدد، ثنا ملازم، نا عبد الله، عن قيس، عن أبيه، قال: خرجنا سنة وفد إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة من بني حنيفة، ورجل من بني ضبيعة بن ربيعة، حتى قدمنا على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبايعناه وجلسنا معه، وأخبرناه بأن بأرضنا بيعة لنا، واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه وتمضمض، وصبّ لنا في إداوة، ثم قال: اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم، ثم انضحوا مكانها من هذا