قال الطحاوي: ولا تعارض بين هذه الأحاديث، وبين قوله (يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم أربعين ليلة)؛ لأن ذاك يكون على المني قبل أن يكون نطفة مما قدره الله تعالى.
قال أبو عمر: فيه دليل أن النساء ليس كلهن يحتلمن، ولهذا أنكرت عائشة، وأم سلمة سؤال أم سليم، وقد يعدم الاحتلام في بعض الرجال، فالنساء أجدر أن يعدم ذلك فيهن، وقد قيل: إن إنكار عائشة لذلك إنما كان لصغر سنها، وكونها مع زوجها؛ لأنها لم تحض إلا عنده، ولم تفقده فقدا طويلا إلا بموته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلذلك لم تعرف في حياته الاحتلام؛ لأن الاحتلام لا يعرفه النساء، ولا أكثر الرجال إلا عند عدم الجماع بعد المعرفة به، فإذا، فقد النساء أزواجهن احتلمن، والوجه الأوّل عندي أصحّ، وأولى؛ لأنّ أم سلمة فقدت زوجها، وكانت كبيرة عالمة بذلك، وأنكرت منه ما أنكرت، فدل ذلك على أن من النساء من لا تنزل الماء في غير الجماع الذي يكون في اليقظة. . انتهى.
ولقائل أن يقول: إن أم سلمة لم تمكث بعد زوجها زمانا يتأتى لها فيه طلب الرجال، لا سيما هي - رضي الله تعالى عنها - وشغلها بالعبادة والصوم، أو تكون قالته إنكارا على أم سليم كونها واجهت بهذا اللفظ المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويدل عليه: فقالت أم سليم: وغطت وجهها.
وفي قوله:(تربت يمينك) قولان:
قال أبو عمر: أحدهما: أن يكون أراد استغنت يداك، أو يمينك كأنه يعرض لها بالجهل لما أنكرت ما لا ينبغي أن تنكره، فخاطبها بضد المعنى تنبيها، وتأنيبا.