للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخلاصة مذهبهم أنهم يرون أن الله سبحانه لا يعلم الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان إلى الكائن وما كان ويكون قولًا واحدًا (١).

ثم منهم من ينكر علمه بالجزئيات مطلقًا، كما ذهب إليه أرسطو (٢)، ومنهم من يقول يعلمها بعلم كلي، كما ذهب إليه ابن سينا، ومن ذلك قوله: "فالواجب الوجود يجب ألا يكون علمه بالجزئيات علمًا زمانيًّا حتى يدخل فيه الآن والماضي والمستقبل، فيعرض لصفة ذاته أن تتغير، بل يجب أن يكون علمه بالجزئيات على الوجه المقدس العالي عن الزمان والدهر" (٣).

وبيان هذا المذهب أن يقال: إن الجزئيات المتغيرة يعلمها الله سبحانه، لكن علمه بها لا يدخل تحت زمان أو مكان، فالله عند هؤلاء عالم بذاته، وعلمه بذاته يقتضي أن يعلم أنه علة للموجودات كلها، فإذا علم ذاته وعلم كونه علة للموجودات؛ علم أنه عالم بالقوانين والأسباب الكلية التي تحكم العالم، وعلم ارتباطها بمسبَّباتها، فإذا علم وقوع السبب؛ علم وقوع المسبب، لكن لا في زمان معين ولا مكان معين، وهذا معنى إطلاقهم أن الله عالم بكل شيء.

مثال ذلك: الكسوف، فالله سبحانه يعلم أن كسوفًا سيكون، بعلمه بأسبابه، لكنه لا يعلم الزمن الذي سيكون فيه الكسوف، في أي سنة أو شهر


(١) كما حكى الغزالي اتفاقهم على ذلك، انظر: تهافت الفلاسفة (٢٠٦)، ونقل اتفاقهم كذلك: أبو الحجاج يوسف بن محمد المكلاتي في: "لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول" (٢٣٣).
(٢) انظر: تفسير ما بعد الطبيعة (٣/ ١٧٠٧).
(٣) الإشارات والتنبيهات (٣/ ٢٩٥ - ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>