للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو يوم أو ساعة، ولا يعلم المكان الذي سيكون فيه الكسوف، فعلمه بالكسوف علم كلي تابع لعلمه بأسبابه الكلية، لأنه علم ثابت لا يتغير، وأما علمه بزمانه ومكانه فهو متغير فلذلك لم يصح أن يوصف به.

ثم هذه الجزئيات يعلمها الباري علمًا واحدًا متجانسًا، ولا يعلم كل جزئي منها على حدة، قال ابن سينا: "إشارة: الأشياء الجزئية قد تعقل كما تعقل الكليات من حيث تجب بأسباب منسوبة إلى مبدأ نوعه في شخصه متخصص به، كالكسوف الجزئي؛ فإنه قد يعقل وقوعه بسبب توافي أسبابه الجزئية، وإحاطة العقل بها، وتعقلها كما تعقل الكليات، وذلك غير الإدراك الجزئي الزماني الذي يحكم أنه وقع الآن أو قبله أو يقع بعده" (١).

وهذا القول راجع في حقيقته إلى إنكار علمه بالجزئيات من أصله - كما هو القول الأول - لأن العلم بالجزئيات مجردًا عن الزمان والمكان ونحوهما غير معقول، إذ هذه الجزئيات حاصلة في زمان ومكان ومختلفة شخصًا، فنفيها عنها نفي للعلم بها من أصله، إذ مجرد العلم بأسبابها وعللها دون العلم بحقيقتها علمًا محيطًا بها ليس علمًا بها، وإنما العلم الحقيقي بها هو العلم بأسبابها وعللها وأوصافها، ثم العلم بها بعد وقوعها على ما هي عليه.

فالفلاسفة جعلوا مجرد علم عللها وأسبابها علم بها، وهذا باطل، لأن من علم بأن زرعًا ينبت إذا سقي البذر، لكن لا يعلم أي زرع هذا الذي ينبت، ولا في أي أرض ولا في أي موسم أو يوم؛ لا يعلم حقيقة هذا الزرع.

وقد صرح ابن سينا بأن الله قد لا يعلم وقوع الجزئي فقال: "ثم ربما وقع


(١) المصدر السابق (٣/ ٢٨٦ - ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>