للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما استلزام العلم العملي للعلم الخبري النظري؛ فلأن العلم العملي لا يكون مؤثرًا في وجود المعلوم إلا إذا كان المعلوم متصَوَّرًا في ذهن العالم قبل وجوده في الخارج، فإن الفعل الاختياري يتبع الإرادة، والإرادة تتبع المراد؛ فلا بد أن يتصور الفاعل المراد قبل قصد الفعل الذي هو سبب إليه، فهو من هذه الحيثية علم نظري، فكل علم عملي فهو مسبوق بعلم نظري قائم في نفس العالم، فقد يكون ثبوت المعلوم في ذهن العالم سابقًا لوجوده في الخارج، وقد يكون وجوده في الخارج سابقًا لتصوره، أو بدون تصوره، وهذا هو مورد التقسيم.

ومن هذا يتبين أن لكل علم أثرًا في نفس العالم، وأن كل علم هو تابع مطابق للمعلوم، وإن كان بعضه سابقًا، وبعضه تابعًا تبع التأخر والتأثر (١).

ولا ريب أن إثبات التأثير للعلم يقتضي كونه سببًا فيه، سواء عبر عن ذلك بلفظ السببية أو الشرطية أو نحو ذلك مما يقتضي توقف حصول المعلوم عليه، ولذلك قال شيخ الإسلام : "العلم أبدًا تابع للمعلوم مطابق له، ثم قد يكون سببًا في وجود المعلوم. . . وقد لا يكون سببًا" (٢).

وقال : "وقد يجوز أن يقال: كله علم فهو تابع للمعلوم مطابق، سواء كان سببًا في وجود المعلوم أو لم يكن" (٣).

وكل من القسمين صفة كمال وعدمه من أعظم النقص (٤).


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٩/ ١٣٠ - ١٣٢)، وجامع الرسائل (٢/ ٣٩٥ - ٣٩٦).
(٢) بيان تلبيس الجهمية (١/ ٥١٠).
(٣) مجموع الفتاوى (١٩/ ١٣٠).
(٤) انظر: مفتاح دار السعادة (١/ ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>