للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجعْل المعتزلة المعدوم شيئًا في الخارج أمرٌ مردود من وجوه:

الأول: عدم الدليل الصحيح على ذلك، أثرًا كان أو نظرًا، وما استدلوا به من نصوص لا يُسلم لهم، والصواب في ذلك أن للشيء وجودًا ذهنيًّا، ووجودًا لفظيًّا ووجودًا رسميًّا خطيًّا، ووجودًا خارجيًّا - كما تقدم -، فما ورد من نصوص في إطلاق الشيء على ما هو معدوم؛ فمحمول على غير الوجود الخارجي، إما اللفظي أو الذهني العلمي، أو الرسمي، لكن المعتزلة لما لم يهتدوا لهذا التقسيم - أو لما لم يقروا به - توهموا أن الوجود مقصور على الوجود الخارجي، فظنوا أن إطلاق الشيء على المعدوم يقتضي كونه موجودًا.

الثاني: أن التفريق بين الوجود والماهية باطل، فوجود الشيء عين ماهيته، وماهيته عين وجوده، سواء قصد بالوجود الذهني أو اللفظي أو الخطي أو الخارجي العيني، ومن جعل الوجود زائدًا على الماهية؛ لزمه أن يجعل الماهية قابلة للوجود، والوجود صفة لها فيجعل الوجود الواجب صفة لغيره، وهذا باطل (١)، يوضحه:

الثالث: أن هذا يلزم عليه كون الموجود الثابت في الخارج صفة لماهية ثابتة في الخارج، وهذا باطل، إذ ليس في الخارج إلا عين الشيء ووجوده (٢).

فخلاصة الأمر أن الماهية والوجود شيء واحد، لا فرق بينهما، وإن كان إطلاق الماهية - في الاصطلاح - أكثر على الوجود الذهني، وإطلاق الوجود


(١) انظر: درء التعارض (٤/ ٢٤١ - ٢٤٢).
(٢) انظر: المصدر السابق (٥/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>