للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعتزلة تطلق القول بعموم القدرة، فيقولون: الرب قادر على كل المقدورات، أو على سائر أجناس المقدورات، كما في قول القاضي عبد الجبار: "وأنه [أي الرب سبحانه] قادر على جميع أجناس المقدورات، ومن كل جنس على ما لا يتناهى، وأنه لا ينحصر مقدوره لا في الجنس ولا في العدد" (١).

وليس مرادهم من ذلك عموم قدرة الرب على كل شيء، بل مرادهم قدرته على كل مقدور له، ومن الأشياء ما لا يدخل تحت مقدوره، فقد ذهب المعتزلة - عدا الشحام - إلى أن الله سبحانه لا يوصف بالقدرة على ما أقدر عليه عباده، وإنما النزاع بينهم في قدرته على جنس ما أقدر عليه العباد على قولين، وتنازعوا كذلك في قدرته على الظلم، واكثرهم على إثبات ذلك، وبعضهم يطلق القول بقدرته على الظلم لا على أن يظلم (٢)، وذهبوا كذلك - عدا ضرار بن عمرو وبشر بن المعتمر - إلى أن الله سبحانه لا يقدر على لطف يلطف به الكافر حتى يؤمن، وأنه ليس في قوة الرب سبحانه أحسن مما فعل بنا (٣).

بل قد ذهب أبو الهُذَيل (٤) منهم إلى أن مقدورات الرب تفنى حتى لا يكون بعد فناء مقدوراته قادرًا على شيء، ومن هنا قال بفناء حركات أهل


(١) شرح الأصول الخمسة (١٥٥).
(٢) انظر: مقالات الإسلاميين (١/ ٢٧٤ - ٢٧٤)، والفصل (٥/ ٥٩).
(٣) انظر: الفصل (٥/ ٥٧)، وانظر (٥/ ٥٩) منه.
(٤) هو أبو الهذيل، محمد بن محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي العلاف، مولى عبد القيس، من أئمة المعتزلة، ولد في البصرة سنة (١٣٥ هـ)، كان خبيث القول، فارق إجماع المسلمين، هلك في سنة (٢٢٧ هـ)، وقيل (٢٣٥ هـ).
انظر: تاريخ بغداد (٤/ ٥٨٢)، وسير أعلام النبلاء (١٠/ ٥٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>