للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصغير، فوجب أن تعصم دماء المشركين البالغين من باب أولى، وهذا باطل.

وإن أُريد بالفطرة القدرة على المعرفة مع إرادتها أيضًا؛ فالقدرة الكاملة مع الإرادة التامة تستلزم وجود المراد المقدور، فدل على أنهم فطروا على القدرة على المعرفة وإرادتها وذلك مستلزم للإيمان (١).

وأما القول: "وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعًا وبنيةً، ليس معها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة، ثم يعتقدون الكفر أو الإيمان بعد البلوغ إذا ميَّزوا".

فجوابه أن يقال: إن أُريد بهذا أنهم خُلقوا خالين من المعرفة والإنكار من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر؛ فهذا فاسد لوجهين:

الأول: أنه لا فرق حينئذ بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير والإسلام، وإنما ذلك بحسب الأسباب، فعليه كان ينبغي أن يذكر الإسلام كذلك.

الثاني: أن الفطرة على قولهم قابلة للمدح والذم على السواء، وما كان كذلك لم يستحق مدحًا ولا ذمًا لذاته، والفطرة ممدوحة لذاتها في الشرع لأن النبي شبهها بالبهيمة المجتمعة الخلق، وشبه النقص الحاصل لها بالجدع، ولأن الله أمر بلزومها كما قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠]، وهذا هو


(١) انظر: درء التعارض (٨/ ٣٨٥)، وشفاء العليل (٢/ ٧٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>