للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثالثة: قدرة الله على الظلم.

تقدم في المبحث الثامن من الفصل الماضي بيان شمول قدرة الرب لكل شيء، وأنه يدخل في ذلك ما عُلم أنه ﷿ لا يفعله، وتقدم كذلك بيان كون الممتنع ليس بشيء أصلًا بإجماع أهل السنة والجماعة وعامة عقلاء بني آدم، فأغنى عن إعادته هنا (١).

ومذهب أهل السنة والجماعة أن الظلم ممكن مقدور لله ، وليس هو بممتنع، وقد دل على ذلك:

أولًا: تمدحه بتركه وعدم إرادته، ولو لم يكن مقدورا له لما كان لذلك التمدح معنى؛ لأن الأمر الذي لا يُقدر عليه لا يصح أن يُمدح الممدوح بتركه أو عدم إرادته، وإنما يكون المدح بترك الأفعال إذا كان الممدوح قادرًا عليها (٢).

بل لم يكتف الله ﷿ بالإخبار بنفي الظلم وأنه حرمه على نفسه ولم يرده، حتى نوَّع الأدلة على ذلك ما بين تأمين العباد منه، ونفيه التسوية بين الطائع والعاصي؛ وهذا كله يدل على أن الظلم مقدور له.

ثانيًا: أن الله أخبر أنه حرَّم الظلم على نفسه، وهذا لا يجوز أن يكون فيما هو ممتنع لذاته؛ فلا يصح أن يقال: حرمت على نفسي خلق مثلي، ونحو ذلك من المحالات، لأن المعنى حينئذ: أخبرت عن نفسي بأن ما لا يكون مقدورًا لي لا أفعله.


(١) انظر ما تقدم ص (٢٧١ - ٢٧٢).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٨/ ١٤٤)، وشفاء العليل (٢/ ٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>