للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أن الخير وأسبابه ثلاثة: إيجاد، وإعداد وإمداد، وكلها إلى الله ، فإذا لم يوجد الشيء فهو باق على العدم وهو ليس بشيء حتى يكون خيرًا أو شرًا، فإذا وُجد وأُعِد وأُمِد كان خيرًا لا شر فيه، وإذا قطع عنه الإعداد والإمداد بعد وجوده حصل فيه الشر الذي سببه هذا العدم الذي ليس إلى الله ، وإنما إليه ضده (١).

فإذا تبين أن الشر راجع إلى العدم، ظهر انتفاء إضافته إلى الله ﷿.

ثم هذا الشر الحاصل لعدم الخير وأسبابه ليس شرا محضًا، بل هو نسبي إضافي، فهو شر للمحل الذي حصل فيه دون غيره، وإن كان خيرًا له من وجه آخر كذلك، وهذا الخير هو محل حكمة الله فيه.

فالشر له وجهان: وجهٌ نسبته إلى الله خلقًا ومشيئة، فهو من هذا الوجه خير لما تضمنه من الحكم البالغة التي اقتضت وجوده.

ووجهٌ نسبته إلى من هو شر في حقه، وإن كان خيرًا له من وجه آخر (٢).

مثال ذلك: الشر الذي حصل للقاتل بالقصاص هو شر له من حيث إزهاق روحه، وإعدام حياته، وهو خير له من وجه آخر، إذ فيه تكفير ذنبه، وهو خير كذلك لعموم الناس إذ فيه إظهار لدين الله ﷿ وإقامة لشرائعه، وانتشار للأمن وحفظ للدماء.

ومما يبين أن الشر لا يضاف إلى الله ﷿ أيضًا: أنه لم يُضَف في كلام الله


(١) انظر: مدارج السالكين (٢/ ٢٠٠).
(٢) انظر: بدائع الفوائد (٢/ ٧١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>