للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾ [النساء: ٧٨، ٧٩]، فقالوا: المراد بالحسنة والسيئة الأولى: الخصب والرخاء والشدة والأمراض، وبالحسنة والسيئة الثانية: الطاعات والمعاصي (١).

فأحسن المعتزلة إذ قالوا بأن قضاء الرب سبحانه منزه عن الشر، لكنهم أساؤوا بأن أخرجوا الشرور المتعلقة بأفعال العباد عن قضائه وخلقه.

وما ذهب إليه المعتزلة باطل من وجوه:

الأول: أن هذا التفريق بالحكم بين الشرور الناتجة عن أفعال العباد، والشرور الأخرى غير صحيح، وليس عليه دليل، بل لا فرق في ذلك بين ما كان من أفعال العباد وغيرهم، يبينه:

الثاني: أن الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنة دلت على أن جميع أفعال العباد مخلوقة لله سبحانه - كما سيأتي في موضعه -، فهي مشاركة لسائر الموجودات بأنها مخلوقة لله سبحانه، فكل ما سوى الله مخلوق.

الثالث: أن قولهم: إن الشرور والسيئات إنما يقال أنها شرور مجازًا لا حقيقة، إن أردوا به نفي كونها شرورًا في نفسها، وأنها لم تشتمل على صفات بها تكون شرا فهذا باطل، وإن أرادوا بها أنها ليست شرا محضًا بل هي - لما اشتملت عليه من مصالح ومنافع - خير؛ فهذا حق، وأصول المعتزلة في


(١) انظر: تنزيه القرآن عن المطاعن (١٠٢)، والمختصر في أصول الدين (ضمن رسائل العدل والتوحيد) (٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>