للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن هذا قال الحكماء: الشر داخل في القضا والإرادة بالعرض لا بالذات، وبالقصد الثاني لا بالقصد الأول، فإن الشر عندهم إما عدم وجود أو عدم كمال الوجود، وإنما الداخل في القضا والإرادة بالقصد الأول هو الوجود وكمال الوجود" (١).

وهذا جار على قاعدتهم في الحسن والقبح، وأن الحسن ما حسنه الشارع، والقبيح ما قبحه، وأنه ليس للأشياء صفات في نفسها بها تحسن وتقبح.

ومذهبهم باطل من وجهين:

الأول: أن إنكارهم وجود الشرور أمر يكذبه واقع الأمر، فالأمراض والأسقام والقتل ونحوها هي شرور بالنظر إلى ذاتها باتفاق العقلاء، وإن كان شرها جزئيًّا وليس محضًا، فهي خير لما تضمنته من حكم ومصالح.

الثاني: أن القول بأن الوجود خير والعدم شر، لا يصح إطلاقه؛ لأن العدم لا شيء حتى يقال إنه خير أو شر، كما أن من الأشياء ما وجوده شر من عدمه وعدمه خير من وجوده (٢)، وهذا بالنظر إلى ذوات الأشياء، فكفر المؤمن وجوده شر من عدمه، وبعكسه إيمان الكافر وجوده خير من عدمه، وأما بالنظر إلى ما يترتب على الحكمة في أفعال الله سبحانه: فكل ما يفعله فهو خير، وكل ما لم يفعله فليس بخير؛ إذ لو كان خيرًا لفعله، وهذا التفضيل باعتبار الخير الراجح والشر الراجح، إذ قد يترتب على وجود بعض أفراد الخير شر راجح، وقد يترتب على عدم بعض أفراد الشر ضرر راجح، وإلا


(١) نهاية الإقدام (٢٥٢ - ٢٥٣).
(٢) انظر: جامع الرسائل (١/ ١٣١)، وشفاء العليل (٢/ ٥١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>