الحمد، فهو يحمد على نفس الفعل، وعلى قصد الغاية الحميدة به، وعلى حصولها، كقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [سبأ: ١]، وقوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: ١١١].
الثامن عشر: إخباره بإنعامه على خلقه وإحسانه إليهم وأنه خلق لهم ما في السموات وما في الأرض، وأعطاهم الأسماع والأبصار والأفئدة ليتم نعمته عليهم، ومعلوم أن المنعم المحسن لا يكون كذلك ولا يستحق هذا الاسم حتى يقصد الإنعام على غيره والإحسان إليه، فلو لم يفعل سبحانه لغرض الإنعام والإحسان لم يكن منعمًا في الحقيقة ولا محسنًا؛ إذ يستحيل أن يكون كذلك من لم يقصد الإنعام والإحسان، وهذا غني عن التقرير.
يوضحه أنه سبحانه حيث ذكر إنعامه وإحسانه فإنما يذكره مقرونًا بالحكم والمصالح والمنافع التي خلق الخلق وشرع الشرائع لأجلها، كقوله في آخر سورة النحل: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ [النحل: ٨١]، فهذا في الخلق، وقال في الشرع في أمره باستقبال الكعبة: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٠]، وقال في أمره بالوضوء والتيمم: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: ٦]، فجعل تمام نعمته في أن خلق ما خلق