للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخلاق، فحكمته تأبى أن يخزيه، وهذا الفهم منها لم يكن بوحي إذ لم يكن ثَمَّ وحي، بل إنما كان بفطرتها التي فطرها الله عليها (١).

ومن هذا الباب أيضًا: أن الخلق مفطورون على التسوية بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، وهذه هي حقيقة الحكمة، إذ الحكمة - كما سيأتي - وضع الشيء في موضعه، وهذا مبني على مرتبتين: تمييز وتنزيل، والتمييز راجع في الحقيقة إلى التسوية بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات، والتنزيل تابع للتمييز.

قال ابن القيم : "وقد ركز الله في فطر الناس وعقولهم التسوية بين المتماثلين وإنكار التفريق بينهما، والفرق بين المختلفين وإنكار الجميع بينهما" (٢).

وأما دلالة العقل؛ فمن وجوه أشهرها (٣): دلالة التخصيص والترجيح، وتقريرها أن الممكن لا بد له من مرجح لوجوده على عدمه، وإلا لم يوجد.

فلا بد مع القدرة على إيجاده من إرادة ترجح وجوده على عدمه، وهذه الإرادة لا بد أن تكون لحكمة وإلا لم تكن إرادة، فلا يعقل إرادة بغير حكمة، فآل الأمر إلى أن الحكمة هي المرجح.

فيلزم على إنكار الحكمة لوازم باطلة، لأن نفيها نفي للإرادة، وبالتالي


(١) انظر: منهاج السنة (٥/ ٤٣٨)، والصفدية (١/ ٢٢٥).
(٢) إعلام الموقعين (٢/ ٢٤٨).
(٣) وثمة وجوه أخرى عقلية في الدلالة على الحكمة، أقل التصاقًا بمسألة الحكمة من هذا الدليل، كدلالة الإحكام والإتقان، ودلالة آيات الأنبياء، وغيرها. انظرها في: الحكمة والتعليل للشهري (٢/ ٤٥٢ - ٥١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>