للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم تتجرد في حقهم من كل داع، وتجردت في حق الأول من كل داع (١).

وقصد الحكمة من عدمها هو محل الخلاف بين المسلمين في التعليل؛ فليس أحد من المسلمين إلا ويقر بالحكمة - إذ هذا أمر مشاهد لا ينكره إلا من كابر - لكن الكلام في هذه هل هي مقصودة للفاعل، أم أنها حصلت اتفاقًا أو تبعًا، يوضحه:

أنها القصد الأصلي والأولي له ، والفعل إنما هو وسيلة إليها.

يبينه أن الحكمة صفة ذاتية له ، وهو سبحانه لم يتصف بها لكونه فعل ما فيه حكمة، بل هي صفة لازمة له أزلًا وأبدًا، لأنه هو الكامل وكماله ذاتي ليس متوقفًا على فعله، ليس كالمخلوق الذي إنما يكمل بفعله، فالله كمل ففعل، والمخلوق فعل فكمل، وشتان ما بين الكمالين (٢).

فالله ﷿ أراد الحكمة ابتداءً، والفعل هو المظهِر لها والسبب في إبرازها، وحكمته تقتضي حصول الأشياء بأسبابها، فعادت الإرادة الأصلية للحكمة.

وتقدم قريبًا أن الحكمة سابقة للفعل ومشيئته، وأنها بذلك هي القصد الأول.

وأما كونها محبوبة لله ، فلأن حكمته كسائر صفاته - محبوبة له، فالله ﷿ يحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور آثارها وموجبها، لأن ذلك من لوازم كماله (٣).


(١) انظر: جامع الرسائل لابن تيمية (١/ ١٠٣)، وإيثار الحق (١٨٣).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٣٨٧).
(٣) انظر: روضة المحبين (٦٤)، وعدة الصابرين (٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>