للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا يتبين أن إثبات الحكمة هو من أهم المطالب في باب القدر، إذ الإيمان بالقدر مداره على أصلين: إثبات القدر وخلق الله لأفعال العباد، وإثبات الحكمة له ، وهما متلازمان أشد ما تكون الملازمة، فلا إيمان بقدر إلا بإثبات الحكمة، ولا يمكن إثبات الحكمة إلا بإثبات القدر.

وكل من القدر والحكمة والشرع أصول آخذ بعضُها برقاب بعض، لتشمل الدين كله، ولا يتأتى اجتماعها إلا على أصول سلف الأمة، والله المستعان.

قال ابن القيم : "والمقصود أن ورثة الرسل وخلفاءهم - لكمال ميراثهم لنبيهم - آمنوا بالقضاء والقدر والحكم والغايات المحمودة في أفعال الرب وأوامره، وقاموا مع ذلك بالأمر والنهي، وصدقوا بالوعد والوعيد، فآمنوا بالخلق الذي من تمام الإيمان به إثبات القدر والحكمة، وبالأمر الذي من تمام الإيمان به الإيمان بالوعد والوعيد وحشر الأجساد والثواب والعقاب، فصدقوا بالخلق والأمر، ولم ينفوهما بنفي لوازمهما كما فعلت القدرية المجوسية والقدرية المعارضة للأمر بالقدر، وكانوا أسعد الناس بالخلق وأقربهم عصبة في هذا الميراث النبوي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

واعلم أن الإيمان بحقيقة القدر والشرع والحكمة لا يجتمع إلا في قلوب خواص الخلق ولب العالم" (١).

والحاصل أن لله في كل ما قدره وقضاه حكم عظيمة، وأنه لا يخلو فعل من أفعاله من الحكمة، والله أعلم.


(١) طريق الهجرتين (١/ ١٩٤ - ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>