وابتلاء، والحسن فيه إنما هو في الأمر به لا في ذاته.
فالتفصيل الواقع في مسألة التحسين والتقبيح مبني على التفصيل في الحكمة، والله أعلم.
وأما مسألة خلق الأفعال؛ فالكلام فيها كان سببًا في الكلام في مسألة الحكمة، إذ أن من لم يثبت للعبد قدرة ولا اختيارًا، بل جعله مجبورًا على أفعاله - وهم الجهمية والأشاعرة - لم يثبت الحكمة، وذلك لأن جبر العبد على الذنب ثم عقوبته عليه ظلم ينافي العدل والحكمة في بدائه العقول.
أما منافاته للعدل فظاهرة.
وأما منافاته للحكمة، فإن عقوبة من أكره على المعصية وضع للشيء في غير موضعه، وبناءً على ذلك فإثبات الجبرية للحكمة نقض لأصلهم في الجبر، وإذا انتقض أصلهم في الجبر انتقض مذهبهم في كل مسائل القدر وبان تناقضهم، ففرارًا من هذا المأزق نَفَوا التعليل في أفعاله ﷾، وأنه يفعل لمحض المشيئة وصرف الإرادة.
وبالمقابل؛ فإثبات القدرة والاختيار للعبد يقتضي أن إثابة المطيع إنما هي لطاعته، وعقوبة العاصي إنما هي لمعصيته، وهذا يقود إلى إثبات التعليل من طريقين:
الأول: أن إثابة المطيع لطاعته، وعقوبة العاصي لمعصيته هي حقيقة الحكمة، لأنها وضع للشيء في موضعه الذي يناسبه.
الثاني: أن ذلك يقتضي إثبات الحسن في الطاعة، والقبح في المعصية، وثبوت الحسن والقبح يستلزم التعليل كما تقدم.