للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هنا كان كل دليل يدل على تعليل أفعال الله فهو دليل على الحسن والقبح العقليين، فإثبات الحكمة متضمن لإثبات التحسين والتقبيح العقليين.

وبالعكس؛ فإثبات التحسين والتقبيح العقليين يستلزم إثبات التعليل، إذ معنى تضمن الشيء لما يكون به حسنًا أو قبيحًا، يقتضي أن فعل الحسن كان لحسنه، وترك القبيح كان لقبحه، وهذه هي حقيقة التعليل (١).

ووجه آخر: وهو أن الحكمة قد تكون في المأمور به، وقد تكون في الأمر، وقد تكون في كليهما، فالعدل والإحسان إلى الخلق وصلة الرحم ونحو ذلك فيه منفعة وحكمة فيما لو فعله العبد بدون الأمر به، فإذ أمر به صار فيه حكمتان: حكمة في نفسه، وحكمة في الأمر، وهذا هو الغالب على الشريعة.

وأما ما ليس فيه حكمة في نفسه؛ ثم أمر به الشارع؛ صارت الحكمة فيه بالأمر لا في نفس المأمور؛ فإنه لا حكمة فيه، مثال ذلك أمر الله سبحانه لإبراهيم بذبح إسماعيل، فذات الذبح لا حكمة فيه ولا مصلحة، لذلك لم يكن مرادًا لله سبحانه، وإنما المراد له امتثال الأمر من إبراهيم، وهو الذي فيه مصلحة، فلما حصل الامتثال أُمر بعدم الذبح وبشر بأنه قد صدَّق الأمر وامتثله (٢).

فالأول - الذي فيه حكمة في نفسه وإن لم يأت الأمر به -: حسنه عقلي.

والثاني - وهو ما فيه حكمة في نفسه وأتى الأمر به -: حسنه عقلي وشرعي.

والثالث - وهو ما أمر به مما لا حكمة فيه في نفسه -: فهذا امتحان


(١) انظر: الحكمة والتعليل للشهري (٢/ ٥٦٢ - ٥٦٣).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٤/ ١٤٤ - ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>