للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الأفعال انتفاؤه في الجميع.

الخامس: أن غاية هذه الشبهة أنه قادر على تحصيل تلك الحكم بالوسائط وبدونها، وهذا لا ينافي الحكمة من وجهين:

أولًا: أنه إذا كان الأمران ممكنين في حقه سبحانه فإنما يكون العدول عن أحدهما إلى الآخر عبثًا إذا كانا متساويين من كل وجه، وهذا ما لا سبيل لإثباته، بل لا يمكن لعاقلٍ أن يقول به؛ إذ هو متضمن إنكار الأسباب، وهذا يعود على الشرع والقدر بالإبطال، لأن الأسباب محل الشرع والقدر - كما سيأتي - (١).

ثانيًا: إذا كان الله قادرًا على الأمرين فالكمال فعل كلا الأمرين، فالرب لكماله قادر على تحقيق تلك الحكم بتوسط المخلوق المنفصل، وقادر على خلقها بدون توسط المخلوق، بل بما قام بنفسه من أفعاله اللازمة وكلماته وثنائه على نفسه وحمده لها.

وأما دعواهم أن لام التعليل في القرآن هي لام العاقبة؛ فباطل أيضًا من وجوه:

الأول: أن لام العاقبة ينزه الرب سبحانه عنها، فهو العليم القدير، ولام العاقبة لا تكون إلا من عاجز أو جاهل، أما الجاهل فمثاله آل فرعون في قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص: ٨] فهم جاهلون بمآل الأمر وثمرته عليهم، وأما العاجز فمثاله قول الشاعر (٢):

لِدُوا للموت وابنوا للخراب … فكلكم يصير إلى تباب


(١) انظر ما يأتي ص (٦٠٢) وما بعدها.
(٢) ديوان أبي العتاهية ص (٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>